1. تنويه:
    تم إيقاف التسجيل في المنتدى مؤقتا، للتواصل أو طلب الانضمام للمنتدى، نرجو التواصل معنا.
    الأعضاء السابقون ما يزال بإمكانهم تسجيل الدخول.

« المندس» و « المندسون»! د. أكرم حجازي

هذا النقاش في 'شتات' بدأه قاتل النعام، ‏3 فبراير 2011.

  1. لم تمض ساعة واحدة على خطاب الرئيس المصري حتى شرعت مجموعات من النظام بلباسها المدني التحرش بالمتظاهرين والمرابطين في ميدان التحرير. ومع ساعات النهار الأولى كان هؤلاء ينتشرون كالنار في الهشيم في المدن المصرية الكبرى، ويخترقون صفوف المتظاهرين على ظهر الجمال والحمير والخيول بصورة استفزازية، ويتحرشون بالمتظاهرين والمارة من الناس وهم مسلحون بالسكاكين والهراوات والأسلحة البيضاء وغيرها في ترويع فاضح للشعب المصري خلف، حتى اليوم، عشرات القتلى ومئات الجرحى في انتقام دنيء من ثورته ضد النظام. أما الملحمة الكبرى ضد هؤلاء القتلة فما زالت وقائعها تجري على مداخل بوابات ميدان التحرير، خاصة من جهة طلعت حرب والمتحف، مستخدمين قنابل المولوتوف الحارقة التي يلقونها من على أسطح العمارات المجاورة على نحو ربع مليون من المعتصمين من الشبان والنساء والأطفال والشيوخ الذين لا يمتلكون ما يدافعون به عن أنفسهم. 2/2/2011

    أحد شهود العيان قدر عدد المهاجمين لميدان التحرير بـ 1500 شخص، قال بأنهم منظمون تنظيما محكما، ويعرفون ما هي مهماتهم. بطبيعة الحال لا أحد من أجهزة الدولة تدخل ضد هؤلاء لا الجيش ولا الشرطة. أما لماذا؟ فلأنهم خليط من الشرطة والأمن وموظفيهم من البلطجية وميليشيات الحزب الحاكم. وقد تناقلت وسائل الإعلام كافة بطاقات هوية شخصية تؤكد عضوية هؤلاء في أجهزة أمن رسمية تقودها وزارة الداخلية.

    وهكذا بات واضحا أن النظام يلعب اليوم بتواطؤ فاضح من القيادات العليا للجيش، وبالتحالف مع بلطجية شنودة وكنيسته والكيان الصهيوني وحتى الولايات المتحدة والغرب ورقة إحراق البلاد والعباد. ولقد بات واضحا أيضا أن النظام الذي تآمر على شعبه وابتزه أمنيا منذ اليوم الأول لم يعد يصبر على حاله البائسة حتى انقض على الناس بيده وبأدواته يفتك بهم بشكل مباشر وليس عبر استخدام البلطجية أو المجرمين فحسب.

    زعمت وزارة الداخلية، زورا وبهتانا، أن البطاقات التي انتزعت من بعض المهاجمين مزورة. ولو صح هذا، جدلا، فلماذا لم تحرك الداخلية أو الجيش ساكنا لوقفهم إنْ كانوا من البلطجية أو المجرمين ممن لا شأن لهم بأجهزة الدولة؟ فمن يكونون إذن؟ ومن أين جاؤوا؟ وما هي هويتهم؟ ولماذا يستهدفون المتظاهرين ولا يستهدفون النظام؟ أليس من الفاضح والمخزي أن يتقمص النظام دور المجرمين بأفعالهم وأدواتهم ويهاجمون المدنيين العزل؟ وهل من توصيف لهذا الفعل إلا أن يكون أهله عصابات من القتلة والمنحطين الذين يسيطرون على الدولة والمجتمع؟

    في خطابَيْ الرئيس المصري السابقيْن، وكذا في تصريحات وزرائه وأركانه، زعم أنه يؤيد الشباب المتظاهر النبيل في التعبير عن رأيه، لكنه لن يتسامح مع أولئك الذين أسماهم بـ « المندسين ». فإذا كانت وسائل الإعلام قد أجمعت على أن عدد المتظاهرين في أنحاء مصر بلغوا نحو ثمانية ملايين مصري طافوا الشوارع واعتصموا في الميادين دون أن يعتدوا على ملكية أو مؤسسة أو أي إنسان؛ فمن هم « المندسين » إذن الذين يتحدث عنهم الرئيس؟

    • هل هم الذين أطلقوا سراح آلاف المجرمين من السجون ليعيثوا الفساد والإجرام في المجتمع؟ أم هم أولئك المعتصمون في ميدان التحرير، والذي يخضع كل من يدخل إليه لعشر حواجز تفتيش تمنع حتى دخول قلم رصاص إلى باحته؟

    • هل هم المسلحون بالهراوات والعصي والمطارق وقنابل الملوتوف أمام الجيش والشرطة؟ أم هم المجردون من أي أداة صغيرة أو كبيرة؟

    • هل هم أركان النظام الذين يخططون للمجرمين، ويراقبون ما تقترفه أيديهم من جرائم قتل وذبح وطعن بحق العزَُّل من الناس؟ أم هم أصحاب الحناجر والجوعى والأطفال الذين يفتك بهم البرد بانتظار من ينتصر لمطالبهم؟

    • هل هم الذين عزلوا مصر عن العالم وكأن البلاد والعباد تعيش في العصور الحجرية؟ أم هم أولئك الذين يسعون للحريق وإخفاء معالم الجريمة عن أعين العالم؟

    • هل هم أولئك الذين وظفتهم وزارة الداخلية وأجهزة الأمن من البلطجية والقتلة والمجرمين ليسوموا الناس سوء العذاب؟ أم هم بسطاء الناس وعامتهم وعلمائهم ومثقفيهم، الصادعون بحق الأمة والناطقون بلسانها؟

    • من هم المندسون وأصحاب الفتنة يا حسني مبارك؟ الذين تخلوا عن مسؤولياتهم في حفظ الأرواح والممتلكات والمقدرات،أوشاعوا الفوضى، وسلطوا المجرمين على الناس، وقدموا الوعود، ثم كذبوا، وبعد دقائق أجرموا وفتكوا بأرواح الناس؟ أم هم الذين تظاهروا سلميا، وأعلنوا مطالبهم على الملأ؟

    • هل هم بقية العصابة المجرمة من رجال الأعمال المتخمين بالمال الحرام الذين يمولون بثمن بخس حريق القاهرة الثاني؟ أم هم الذين لم يعد لديهم ما يُحصٍّلون به قوت يومهم؟

    • هل هو أنت الذي لم تصبر مقدار ساعة من الزمن لتكتمل الفتنة حتى أنزلت حثالاتك إلى الشارع؟ أم هم الذين انخدعوا لساعات بخطابك وكادوا يبتلعون، على مضض، وعودك؟

    لقد أثبت الرئيس، حتى لمن دافع عنه، أنه هو « المندس» الأكبر في الشعب المصري، كما أثبت النظام المصري بكل تركيبته السياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية والأيديولوجية أنهم هم « المندسون» في صفوف الأمة. وهم المجرمون والمزورون واللصوص الذين لا يتقبلون إلا المعادلة إياها: « الأمن» للنظام، يفعل ما يشاء، وإلا فـ: « الحريق» للأمة حتى لو دافعت عن حقوقها ودينها. إذا لم يكن هذا الكلام يعجب أحدا من أبواق الأنظمة المتسلطة فلأنهم « مندسون» مثلهم، وإلا فالبديل أن يكون الشعب هو « المندس »! ولعله البديل الملائم لمبارك وعصابته، ومن هم على شاكلتهم.

    لا شك أن ما يقوم به النظام هو الجريمة بعينها ولا شيء سواها. ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تشتد المعاناة والضغوط من مرض وجوع وعطش وتشريد ومطاردات إلى أن تشق الفتنة طريقها إلى الشارع متسببة بالانقسام والتخبط على غير هدى. هذا هو واقع الثورات الكبرى .. وأولى بالمصريين، قبل غيرهم، أن يدركوا، وهم يدركون حقا، أن ما يقومون به هو ملحمة الأمة برمتها للانعتاق من هيمنة الغرب والصهيونية والكنيسة.

    لذا من الخطأ الفادح أن يتصور البعض إمكانية تحقيق المطالب دون أن يتحمل القليل من المعاناة والخسائر، وبالكاد مضى عشرة أيام على الثورة . . ومن الأفدح المفاضلة أو المفاصلة ما بين ضغط المعاناة، وهي واقعة دون مظاهرات، ولحظة التوق إلى انعتاق أمة .. أو ما بين الفتنة، وهي واقعة في الدين قبل التظاهر، والصبر .. أو ما بين الإحباط والأمل .. أو ما بين التخذيل والحاجة إلى النصرة .. ومن الخطأ القاتل أن يتراجع الشارع في أول اختبار مع النظام تحت ضغط البلطجية أو وقع مشاعر الغضب والحاجة أو حتى التوهم بدلا من الثبات والحزم. وإذا كان ما يجري في مصر يهم كل الأمة؛ وإذا كان المصريون موقنون بأنهم ليسوا وحدهم؛ وأن الأمة تفرح لفرحهم وتتألم لألمهم؛ وتتغنى بشجاعتهم وعزيمتهم، وتتأمل في ثورتهم الخير .. كل الخير، فمن المؤكد أن للتراجع تداعيات خطيرة على مستوى الأمة.

    إذا مرت الفتنة، لا قدر الله، وخرج النظام من مأزقه فلن يسلم أحد من تصفية الحساب مع ماكينة القمع والقتل والخطف والحرب الشعواء على الشعب والإسلام والأمة إلى حين. أما إذا ثبت الشارع على مطالبه، بقطع النظر عن مواقف المعارضة، فقد تكون فرصة جديدة للتحرر من الطغاة والطغيان بأسرع ما يمكن. فحذار من لحظة ندم لا تنفع إذا وقع الشارع في فخ اختبارات « المندس » و « المندسين».
     

شارك هذه الصفحة