1. تنويه:
    تم إيقاف التسجيل في المنتدى مؤقتا، للتواصل أو طلب الانضمام للمنتدى، نرجو التواصل معنا.
    الأعضاء السابقون ما يزال بإمكانهم تسجيل الدخول.

لاحول ولا قوة الا بالله

هذا النقاش في 'المنتدى الديني والشرعي' بدأه اسماعيل رضوان، ‏29 يناير 2012.

  1. لا حول ولا قوة إلا بالله

    إن الحمد لله تعالى حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شاء من شيء بعد، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

    أما بعد،

    في عجالة من الأسطر سأعرض على أحباب الله تعالى خاطرة مرة في ذهني وأنا أقرأ في كتاب ابن القيم الرائع " طريق الهجرتين وباب السعادتين، لعلي أستوعب بها بعض معاني كلمة " لا حول ولا قوة إلا بالله"، وهي كلمة كما تعلمون قال فيه الحبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأحد صحابته " ألا أعلمك كنزاً من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله"، قال النووي: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له، وأنه لا صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً في الأمر. ولكن فنتوقف بعض الدقائق عند بعض معانيها لعلنا إن سمعناها في الأذان بعد الآن يتغير لها سمعنا.

    يقول ابن القيم : " فمن جلّى الله سبحانه صدأ بصيرته وكمّل فطرته وأوقفه على مبادئ الأمور وغاياتها ومناطها ومواردها ، أصبح كالمفلس حقا عن علومه وأعماله وأحواله وأذواقه، فيقول : أستغفر الله من علمي وعملي؛ أي من انتسابي إليهما وغيبتي بهما عن فضل من ذكرني بهما وابتدأني بإعطائهما من غير تقدم سبب مني يوجب ذلك."

    أخي الكريم، يا حبيب الرحمن أدعو نفسي وأدعوك أن نضرع إلى الله تعالى سبحانه، أن يتفضل علينا فيلهمنا الرشد والسبيل لننزع عن بصائرنا صدأها، وما صدأ بصائرنا ونقصان فطرتنا إلا بوهم أنّا نملك من أنفسنا إنشاء أفعالها، فبقدر ما يكون من أنفسنا ذلك، بقدر ما يكلنا ربنا إلى أنفسنا، وإذا نظرنا إلى أحوالنا لوجدنا أن الله تعالى ما يبتلينا إلا ليذكرنا، بفقرنا وحاجتنا إليه وبوجوب أن نجرد أنفسنا من أن تنظر إلى داخلها فترتد لتقول فعلت، متناسية في خضم الفرح بإتيان الفعل من نسبته إلى الله تعالى،قال تعالى: "وما توفيقي إلى بالله".

    أخي الكريم، يقول علماء اللغة أن : الحول؛ هو التحول من حال إلى أخرى.وقالوا: الحول الحركة، والحيلة؛ أي لا حركة ولا استطاعة ولا حيلة إلا بمشيئة الله تعالى، والتحول من حال إلى أخرى والحركة والاستطاعة إنما هو عين النعمة ، فتخيل لو أنك كنت في حال وحركة واحدة أبدا، مثلا؛ تركك تركض في هذه الدنيا لمعاشك ركض الوحوش، ركض بلا هوادة ولا استراحة. فالنعمة التي تقتضيها عين الفطرة التي خلقنا عليها أن تتغير أحوالنا، لنكون ساعة في طلب ما يحتاجه الجسد، وساعة لطلب ما تطلبه الروح.

    وحبيب الرحمن إن التحول بحاجة إلى وقود لانجازه والإتيان به، هذا الوقود هو الإرادة الجازمة الطالبة للفعل، التي هي سبب الحركة والفعل الاختياري، وقولنا أخي الكريم " لا حول" هو تقرير بِتَعيُّن الفقر التام منا إلى الله تعالى، فلولاه ما كان لنا أن نأتي بإرادة التحول من حال إلى حال ، وأقول هنا : " الأعمال بخواتيمها" وأقصد أن تكون على صلة في كل لحظة بالله تعالى منقطعا عن رؤية حظ نفسك من الفعل، فيؤدي ذلك إلى أن خاتمة عملك السابق، سيكون منشئا لعمل جديد إن تجردت فيه عن رؤية حظ لنفسك فيه كنت موكولا إلى الله تعالى، وإلا فأنت إلى نفسك الأمارة بالسوء موكول. فأخي الكريم "الأعمال بخواتيمها"، وإن كان محمولا على وصف لحال الموت ، فيمكن حمله أيضا على أحوال أعمالنا.

    أخي الكريم انظر في نفسك، ألا ترى النشوة والسعادة تعتريك عندما تأتي بعمل يحبه الله تعالى ورسوله، ألا ترى أنك تنام قرير العين مطرقا في عمل آخر لتأتيه قريبا قبل أن ينال الصدأ من قلبك، ألا تشعر وكأنك مشعل حر تريد أن تنير الدرب لكل محتاج، وبغض النظر عن عن صغر العمل أو عظمه فلا يكاد هذا الإحساس يفارق قلبا أتى عملا فيه الخير.

    أخي الكريم، نعم قد قال علماؤنا: أن "لا حول" هو إعلان لتبرئة النفس عن القدرة الذاتية، لكنه إعلان وجب أن نفهمه على أنه في كل لحظة نحن نبرئ أنفسنا عن الحول والقوة والقدرة وأن يكون لنا من أنفسنا الحظوظ التي تستقل بها الخضوع والخنوع للرحمن، يقول ابن القيم: " الفقير: المضطر إلى خالقه في كل طرفة عين وكل نفس". فإذا التجأت إليه أصابك الغنى بقدر اللجوء، وهو غنى التحرر من ربقة الاتكال على المادية الدنيوية لتكون هي الغاية والوسيلة، إلى الدخول في حزب العبودية التامة القائمة على أنه: " لا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا يهدي لأحسن الأعمال والأخلاق إلا هو ، ولا يصرف سيئها إلا هو، قال تعالى: ( وإن يمسسك الله بضر فا كاشف له إلى هو ، وإن يردك بخير فلا راد لفضله) سورة يونس.

    أخوتي الكرام أقدم لنفسي ولكم سرا من أسرار العبودية، يرفع لكم المقام ويجعلكم على دوام اتصال بالقوي العلام ، فهذه الكلمة ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) داوم عليها سواء أحسست بحضور القلب عند ذكرك لها أم لا، فقد جاء في الحكم العطائية قول الشيخ: " لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة- أقول: وهذا لا يكون إلا بالمداومة والإصرار، ومنشأ ذلك هو الإقرار بالحب لله تعالى، قال سبحانه: { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } ( 20 ) إبراهيم".



    قال الشاعر:

    ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا

    دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا.



    أخوكم الدكتور محمد الشقيري

     

شارك هذه الصفحة