المعلوماتية والسلوك الاجتماعي

أ. د. المهندس حيدر كمونة
المعلوماتية هي ثورة المعلومات وتقنيات الاتصال والتي من خلالها اصبح العالم وكما تقول المقولة المشهورة (كأنه قرية صغيرة) العالم كله على اتصال ببعضه (شرقه بغربه، شماله بجنوبه) وذلك من خلال شبكة الاتصالات الحديثة وهي الانترنت والبث الفضائي المستمر.


لقد اثرت المعلوماتية بشكل كبير في شكل المدينة المعاصرة وذلك من خلال الاختلاف في مفهوم التواجد الزماني والمكاني للفرد لغرض الحصول على غاية معينة، ويرجع ذلك الى السرعة الكبيرة للحصول على المعلومة التي اثرت على اداء وظيفة الانسان بشكل عام والتغيير في اسلوب حياته ومعيشته وحركته ضمن النسيج الحضري للمدينة وما احدثته في شكل هذا النسيج.
لقد ظهر تأثير المعلوماتية منذ دخول الهاتف وانتشاره مع انتشار السيارات على شكل المدينة، حيث تم الفصل المكاني للكثير من الفعاليات وعلى سبيل المثال فقد تم فصل المصانع عن المناطق السكنية، وذلك بابعادها الى ضواحي المدينة مع امكانية ادارتها والوصول اليها بواسطة طرق الاتصال السريعة.
ولكن مع ظهور وسائل الاتصال السريعة (الانترنت) اعطى مفهوما حديثا وخاصا لشكل المدينة، حيث اصبح بالامكان ادارة العمل من اي جزء في العالم عبر الشبكة المعلوماتية، وهذا ما اثر على الرابط الفيزيائي بين الشخص والمكان والذي يقود الى اللامركزية والى اضمحلال في شكل النسيج الحضري نتيجة تلاشي العلاقات وظهور اشكال غير مترابطة مكانيا.. ويؤدي الى ظهور اشكال جديدة في تشكيل المدينة، فمثلا ان طبيعة العمل انتقلت من كونها (منطقة عمل ـ المسكن) الى (عمل مسكن) اي اصبح المسكن هو مكان العمل وهذا بدوره يؤدي الى تغيير في شكل المسكن وخصوصيته، حيث تم تغيير وظيفته من مكان راحة الى مكان عمل وراحة وهذا سيؤدي الى ظهور فضاءات جديدة لم تكن موجودة سابقا على نطاق المسكن ولكن ماذا سيحصل على نطاق المسكن ولكن ماذا سيحصل على نطاق النسيج الحضري؟ انه التقليل من دور المناطق العامة والتي تعتبر مناطق تفاعل اجتماعي، حيث انها ستصبح شبه فارغة بسبب ان عملية امكانية التفاعل ستتم عن طريق الشبكة، واما بخصوص عملية التسوق فستظهر مراكز تسوق ضخمة تقوم بخدمة مناطق واسعة عن طريق الاتصال فقط، وهذا سيقلل من اهمية توقيع الخدمات العامة ضمن النسيج الحضري للمدينة وكذلك بالنسبة لطبيعة المباني العامة مثل المكتبات العامة والمستشفيات والمدارس، حيث اصبح الطلاب يمارسون الدراسة من خلال الانترنت والمرضى يعالجون من خلاله ايضا، وقد ادت المعلوماتية الى ظهور مبان جديدة لم تكن موجودة سابقا تسمى (مقاهي الانترنت) التي تضم مجموعة من الكمبيوترات للاتصال بالعالم الخارجي وتكون نقاط جذب ضمن النسيج الحضري للمدينة والذي يضم عادة الفئة الشبابية من المجتمع، لذلك يجب ايجاد الاماكن والمواقع الصحيحة لتوقيع هذه المباني ضمن الوظائف المتعددة للنسيج الحضري.
لقد كان للمعلوماتية اثار واضحة على توجهات وسبل وانماط حياة الناس جميعا وقد تراوحت تلك الآثار بين سلبية هدامة وايجابية (فيما لو اخذ استخدام تقنيات الانترنت والاتصال السريع).
لقد ساعدت تقنيات المعلوماتية والانترنت في تعميم اسلوب ثقافي معين غريب حاولت الجهات المسيطرة على شبكة المعلوماتية تعميمه على مستخدمي الشبكة في جميع انحاء العالم فقد اصبحت مقولة (المعلومة بين يدي الجميع) لا تعبر عن حقيقتها لان المعلومة المعروضة هي فقط ماتريد تلك الجهات بثه وتعميمه وليس غيرها، لذلك فقد شاعت انماط ثقافية تحاول مسخ هوية وثقافة الشعوب وهذا مايمكن ملاحظته من ظهور تلك التأثيرات في مجال العمارة كأحد حقول الثقافة.
لقد ولدت ثورة المعلومات والاتصالات حالة من العزلة الاجتماعية التي ظهرت على مستوى التخطيط ففضاءات التفاعل الاجتماعي لا تعمل كما ينبغي كون الناس منشغلين بمزاولة اعمالهم من خلال شبكة الانترنت، وبذلك فقد اصبحت التجارة تزاول في البيت الامر الذي اثر على قدرة وكفاءة الشخص في التفاعل الاجتماعي، وهذا ينطبق على كل فعالية حياتية طبيعية دخل الانترنت في غمارها وتسلل اليها ومن هنا قل التفاعل الاجتماعي وزادت العزلة مما اثر سلبا على المجتمع وعلى تخطيط المدينة.
وعليه يجب ان لا ندع هذا السلاح ذا الحدين يتمكن من مدينتنا العراقية المعاصرة بحيث يطمس هويتنا وثقافتنا ويقتلعنا من جذورنا، ويؤدي بالانسان القاطن في المدينة العراقية المعاصرة الى الكسل والترهل، بل علينا ان نوظف تقنيات المعلوماتية في خدمة اهداف ثقافتنا وحضارتنا العربية الاسلامية وذلك من خلال تعميمها على النطاق العالمي.

 

شكرا

 

شكرا لمرورك اختنا اليمان

 

تحياتى لموضوعاتك الرائعه

 

مشكور مرورك الجميل كوتش محمد عبد الوهاب