1. تنويه:
    تم إيقاف التسجيل في المنتدى مؤقتا، للتواصل أو طلب الانضمام للمنتدى، نرجو التواصل معنا.
    الأعضاء السابقون ما يزال بإمكانهم تسجيل الدخول.

على ذمة الخوذة (الأميركية)

هذا النقاش في 'الواحة' بدأه Haitham sadoon، ‏8 أكتوبر 2009.

  1. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    سعدي عباس العبدد

    لا ادري متى شرعت تنمو في عزلتي، تلك الذكريات المليئة بالتوق والجمال.. تأخذني الى ماض لا يليق إلا بعزلتي، مفعم برائحة طفولة ساحرة، ما ان ترد ملامحها في ذاكرتي، حتى اجدني انتفض هائجا، كأنني أمشي على حمم من اللهفة!!


    فتنهمر دموعي، كأنني نسيت ذكريات شديدة الدهشة! باتت في غور ناء،.. ما جعلني انظر ذاهلا للاشياء، وللوقت كيف يتسلق اجسادنا الطرية ويغضها.. ويعطل شيخوختي المبكرة! وانا لا املك سواها!!!... امي التي أكرهتها حمى المجاعة المتزايدة باطراد، على اطلاق الشتائم الناضحة برائحة العوز، ما زالت تشهر بي عند الجيران، ولم تكتف بذلك، بل شرعت تهددني بالهروب من البيت وجعله مأوى للكلاب والحشرات، ان بقيت عاطلا.. هي لا تعترف باحلامي التي ـ حسب زعمها ـ خربت عقلي، ولا تكترث بذكرياتي المطمورة!. كم كان يبكيها بحثي المستمر في ملفات النسيان، عند اشتداد رياح المحنة، وتصاعد وتيرة الجوع... اراها من وراء جدران عزلتي القوية، تنسل خلسة صوب السوق، لتعلن فقرها ولا تكتفي بذلك، بل تشرع بسرد سيرتي الملفقة وتوظفها بدقة غاية في الصدق، لكسب المزيد من التعاطف، والأرغفة، وكم كان يصيبني سلوكها المشين بالاحباط، فاخلد الى ذكرياتي، اجترها بلهفة واتكئ على سحرها المحفوف بالامان اذ لا جوع ولا (اميركان) ولا مفخخات، ولا فضائح امي التي باتت تتوزع على ألسنة باعة سوق الخضار، فلم تكتف بطلب الشفقة والعطف والخبز وبقايا فاكهة تالفة، بل راحت هذه المرة تطلب النقود او تستجديها، وتكرههم على تصديق اقوالها وهي في الغالب (صحيحة) بيد انها لا تخلو من المغالاة.. فجعلت ارى الى (التخمة) تنمو، متلاحقة! وهي تفترش مائدتها، فتعتريني الدهشة وانا احدق من وراء نافذتي الى سحنتها التي اكسى شحوبها تورد فتت الخيط الرفيع الذي كان يصلني بها، وبالاحلام التي باتت محض عاصفة من الاكاذيب ترشقني (بالوعود) المزيفة فأضحيت من شدة الخوف واليأس، كالأعمى اتخبط في متاهات (عويصة) اتحسس خطواتي في الظلام، كأنني انحدر الى هاوية،... وكلما اشتد هيجان (الاميركان) اهرع مرعوبا الى عزلتي، تاركا السرفات ترتكب اخطاء مهولة وهي تلف البيوتات بقماط من حديد.. فيشتد توقي للماضي البعيد، فأتوغل في عمق الذكريات المصنوعة من براءة لا تضاهى، (لا يشاركني) فيها احد، حتى امي التي تنكرت للايام الغاربة، وحسبتها حلما عابرا من بنات افكارها المشوشة.. ولما استفز ذاكرتها العالقة باهوال الحاضر الغاط في ظلام عميق، تغمض عينيها وتمط شفتها السفلى وتعكر سحنتها على نحو أليم وتجهش بالبكاء، وتظل حتى وقت متأخر من الليل تطلق عويلا فاترا.. ولما ترفع رأسها يتبدى لي وجهها وكأنه فقد تورده المؤقت، فيعتصر قلبي ألما غزيرا اهجسه كاسياخ حامية تنغرز في احشائي.. فأجري صوب عزلتي، فاحتفي خلسة بذلك الوقت الجميل المسرف في الجمال واستعيد عبر ذاكرتي المشدودة الى ذلك الحنين الموغل في السحر، اشكال الشوارع والحانات والحدائق فتصيبني الدهشة... كيف آلت تلك المدن الباذخة الى خراب وممرات مقفرة تنبض بالخوف وبارث عريق من النحيب، اسمعه يتصاعد من بعيد ـ تحمله الريح ـ وانا قابع في عزلتي انصت لوشيش غامض يشي بالرعب، يعلو خارج فضاء عزلتي.. وعندما يتناهى لسمعي وقع خطوات امي وهي ترتقي العتبة الوعرة، ينتابني الفزع، خشية ان تشهر بكاءها في وجهي! وانا لا ازال مستغرقا في اجترار اعذب اللحظات التي مرت في حياتي.. فابتسم في وجهها مكرها... لئلا تعكر خلوتي.. ولكنها كانت عجوزا متمرسة في اكتشاف الغوايات.. فسرعان ما فطنت الى ما اضمره، فباتت ذكرياتي عرضة للانتهاك.. فنهضت اقتعد كرسيا جوار النافذة، وجعلت ارى الى الخارج النابض بالتوجسات وانا استعيد عبر ذاكرتي طيف امي، التي افضى بها العوز الى سوق الخضار، متكئة على نافذة الحاجة.... فكنت اراها وهي تعود من السوق شاحبة، كأنها موشكة على موت مباغت.. تظل تلازمها قوة المهانة الممعنة في الاذى لوقت عصيب.. بيد انها سرعان ما تلملم شتات شيخوختها وحيائها.. وتعود تلف في عباءتها مؤونة الشتاء.
    تطلب اليّ انا المطمور تحت ركام مهول من الذكريات : ان اغادر عزلتي، فارنو اليها طويلا، ذاهلا، وانا اردد في سري، يا إلهي.. ماذا لو كانت (صماء).. فهي بكامل قواها (السمعية) ولم تصغ للنداءات التي اكررها باستمرار عشرات المرات!! افصح عبرها وبقوة عن (عطالتي) وعجزي في مجاراة ما يحدث، اما هي فلا تملك سوى النسيان والبكاء... تبكي بلهفة وبكامل عمرها المديد المحمول على شيخوخة انفقت معظمها في استدراج (الصبر) المرير... وهي تفرش جسدها المتداعي فوق سجادة مركونة عند طرف قصي من الغرفة الرطبة، وتشرع باطلاق خيط طويل راعش من العويل المتصل، واللطم المستمر بلا هوادة.. انا لا املك ازاء تلك الاجتياحات المتعاقبة، الجامحة، سوى الاذعان.. وبكر تصاعد الويلات، يزداد توقي لذريعة تؤمن ليّ النجاة من الطوفان العارم، فألوذ بصمت مخيف يدنو بي على مهل من حافة هاوية! فأجدني انحدر مرعوبا من على السرير، وأهوي بكامل عذاباتي عند قدميها، كأنني خطأ سقط سهوا من لسان عجوز في ريعان الطفولة!!!
    تعتصر الذكريات الطرية قلبه اليابس، فتجفل هي تمد ليّ ذراعها المتغضنة الموشومة باقواس تماثل انحناءتها، فتتناولني من رأسي الذي ضاق بي كثيرا!! وتمسح بيد حانية على شعري، وتطبع عشرات القبل على جبهتي.. ركام من القبل المحمومة توزعها على مساحة اليمة من وجهي، فالمح ـ بعد سنوات مديدة ـ ابتسامة مضيئة تعلو شفتيها فأهجس بها تنغرز عميقا في روحي.. وتحفر في مجرى ناء ملامح طفولتي فابتسم وانا اومئ، ملوحا بذراعي عاليا، كمن يحتفل بانهيار ايام الخوف... ولما رغبت ان اقبل يدها بيدي وقلبي وشفتي وذكرياتي، رايتها تغط في يأس مديد فاعترتني رعشة من خوف الأمس القريب.. فرحت الوح بقوة مفعمة بالرجاء، ولكنها لم ترن، فجعلت اتحسس عينيها عبر اناملي الراعشة، فهجست بظلام مريع يندلق من عينيها، فيتخشب لساني، وقبل ان انتفض صارخا، سمعت طرقا قويا على الباب، اعقبه صوت ارتطام غامض،.. ولما رفعت رأسي، رأيتهم، كانوا حشدا من البرابرة فأخذ سكوتي يتسع وينمو ضاريا في (المعتقلات) العديدة التي احتوت جسدي وعزلتي التي اخذت (شكل الجنون) عقب وفاة امي في سوق الخضار.
     
  2. بارك الله فيك كوتش هيثم سعدون
     
  3. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    بورك مرورك الجميل كوتش محمد عبد الله
     
  4. mohamedali

    mohamedali مشرف عام

    جزاك الله خيرا استاذى هيثم
     
  5. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    مشكور مرورك الجميل كوتش محمد عبد الوهاب
     

شارك هذه الصفحة