1. تنويه:
    تم إيقاف التسجيل في المنتدى مؤقتا، للتواصل أو طلب الانضمام للمنتدى، نرجو التواصل معنا.
    الأعضاء السابقون ما يزال بإمكانهم تسجيل الدخول.

تجيئين … أبصرك

هذا النقاش في 'الواحة' بدأه Haitham sadoon، ‏17 أكتوبر 2009.

  1. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    أسعد الهلالي

    اجتزتُ بلاداً وصحارى كي أغرس قدمي في رمال شاطئ بحر صاخب .. هكذا أردته.. صاخبا.. غاضبا .. مجنونا ربما.. المهم ألاّ يكون ساكنا كقلبي.. كنتُ هنا ..


    باركاً فوق تكسرات مويجات نزقة ورمال شاطئ يفتتها الموج فتدور راقصة لتركد ماسحة بلاداً أكرر رسمها فوق الرمال فتصفعها ذيول المويجات الكسلى..
    غطى ازرقاق البحر دم الشمس الغاطسة في جوفه لائذة بعمقه من وحشة الضوء الذي تغمر به الكون محترقة .. وحيدة .. وحيدة تماماً حتى في انهمارها في البحر..
    امتدت نظراتي إلى جسد البحر المتدثر بالنزيف .. لم يكن انهماراً .. بل عناقا.. انه كذلك حقا .. تتسع ابتسامة الشمس ويذوب البحر وجدا .. وأبكي .. تطوف حول قلبي غمامة تهمي بهمسها...
    ـ آه .. كم أنت وحيد أيها القلب؟...

    تتوهج المصابيح في المدينة اللائذة بالبحر .. تنسحب الخطى مبتعدة لتندس في علب النوم المبهرجة.. تفرز الأجساد صمغها لتلتصق في لهاث محموم يودي دوما إلى صمت بليد يكسر زجاجه البارد شخير يرتطم في سقوف تقطر عرقا مالحا..
    تشرّب جسدي رطوبة الشاطئ فشعرت أن برعما يوشك أن يزهر في مكان ما منه .. تمددتُ لأدع عينيّ تشكلان صورا من نجوم تتلامض مرحة تحف بالقرص الفضي العتيق .. أعبّ ملء رئتي هواءً مضمخاً بالندى .. سرعان ما أزفره ساخنا كاللهب..
    ـ كم من الأشياء علي أن أطردها من حياتي؟.. كهذا السعير الذي استوطنني منذ دهور.. هل تراه سيغادرني يوماً؟..
    قديماً … حين كانت قدماي تطوفان أزقة مدينتي البعيدة .. تتجاذبني نسائم تتسلل إلى قلبي لتخمد اضطرابه فلا تكاد تفلح.. كان يشعر أن براكين غاضبة ستذيب النسائم ذات يوم.. ازداد اضطرابه حين فحت أفواه أفعوانية بلهيب غاضب .. وحين أيقن أخيرا أن لا نسائم في فضاء المدينة ، أدمن الاضطراب حتى صمت متهرئا كبركان خامد وأسلم قياده لقدمي كي تطوفا أصقاع الدنيا باحثتين عن شيء .. لم تدركاه بعد..
    ـ عمّ تبحث ؟
    صوت دافئ تردد حولي كصدى بعيد .. تسلل إلى أذنيّ فتشربه جسدي .. أشرعتُ نافذتي عيني المستسلمتين للعتمة .. كانت أمامي تخفي خلفها القمر المتكاسل .. غلالة رقيقة.. أغرقُ عيني فيها فتشفّ حتى صرت أرى من خلالها النجيمات المتلامظات بخبث..
    سارت بخطى أثيرية متباطئة فوق تكسرات الأمواج فأسرعت بالنهوض ملاحقاً خطاها..
    ـ اعترضتَ طريقي أيها الغريب ؟..
    ـ أتراك ابنة هذه المدينة ؟ ..
    ـ بلى .. من رحمها بزغت ..
    ـ لمَ لمْ تلوذي بجدرانها إذن ؟

    ـ لا جدران لي.. اعتدت أن أخيط بخطاي قميصا للساحل كل ليلة.. لم تخبرني .. عمّ تبحث ؟..
    ـ لا أدري .. ربما أبحث عني ..
    عزفت حنجرتها ضحكة ترقرقت كجديول في أرض مجدبة ..
    ـ ستبحث طويلاً .. وستسأل دوما أين الطريق ؟..
    ـ أقادرة أنتِ على إرشادي؟ ..

    ـ كنتُ سأرشد نفسي إن استطعت.. لكنني .. ربما مثلك … غريبة في مدينة الطحالب هذه أبحث عن ظل لأحلامي السادرة في اليباس .. أليست معادلة صعبة أن أبدل حلماً بوهم؟..
    حاذت خطاي خطاها .. كانت أنامل البحر تطقطق تحت أقدامنا .. أمسكت بمعصمها .. فاتئدت خطاها .. توقفت .. صك أسماعي صخب موجة هادرة مندفعة للساحل .. حيث نقف تماماً.. رشرشتنا برذاذ بارد تفتت سياطه على جسدينا الغائرين في حيرة كبلت شفاهنا.. ارتعش جسدها قليلاً ثم عرضت أمامي وجهها المنتشي وعينيها المغمضتين على وخزة مرح تشربها جسدها .. تباعدت أجفانها وشفتيها لترتسم ابتسامة لم أرَ لها مثيلا مذ تلملمت أزقة مدينتي وجلاً لتدع الأفعوانات المرعبة تزرع فحيحها المقيت في الزوايا وتلطخ ببرازها أبواب البيوت المستكينة ..
    ـ يوشك برعمٌ أن يتفتح …

    نثرتُ كلماتي على وجهها القمحي الضاج بابتسامة رطبة كرذاذ الموجة .. تقلصت ابتسامتها فارتسمت ملامح كدرة في زاويتي عينيها اللتين سرعان ما ترقرقتا بالدموع ..
    ـ حذار .. فالأشواك في كل مكان …

    التصقت كليماتها المتهدجة بجدار قلبي الذي انتفض فجأة .. لملمتُ نظراتي وحزمتها لأغرزها في اضطراب شفتيها اللوزيتين .. نداؤها المرتبك المتشاغل بالتناغم مع رقرقة الدمع في عينيها أهاج قلبي فانداح سكونه .. ( رباه .. أليست هي من أبحث عنه؟ .. احتراقي الأخير.. ذاتي المنزوعة الآيلة للتجلد .. أتراها من سيذيب عني جليدي).
    يسيل العسل على شفتيها فألعقه منتشياً.. أشعر أن فتات روحي يتلملم .. ألعق .. فيزداد العسل في شفتيها .. ألعق .. ألعق .. أهصر شفتيها .. أشعر أن دواخلي تشع …
    ـ أتؤلمك شفتاك ؟

    ـ كلا .. لكنني أمقت طعم الملح في دموعي..
    استوطنتني اليقظة بغتة .. فأدركت أن عيناي قد توهمتا عسل شفتيها .. إلا انه لايزال طريا.. ملتصقا بشفتي.. ألحسه قليلاً بلساني فتأخذني الحيرة.. ألحس شفتيها الرقيقتين بنظراتي ثانية .. فأشعر بارتعاشتها من بلل قبلاتي .. إلا إنها الآن.. ماثلة أمامي بطغيان حضورها الآسر تبدو سرابية .. نائية ..
    ـ منذ دهور.. قالت لي عرافة متصابية .. في المنفى .. حين تستوطن الغربة قلبك.. يُلبسك البحر ظلك الهارب .. أتراكِ ظلي ؟
    ـ أنا امرأة بلا ظل .. ألم تدرك بعد؟

    ـ ما أدركه انك شمعة مكتظة بالظلال ..
    ـ ما الذي تفعله الشمعة حين يجيء الصباح ؟
    ـ انك ظلي.. بل أناي التي بارحتني ذات يوم بعيد .. دعيني أقبلك .. سأرتشفك وترتشفينني .. سنكون واحدا ..
    ـ بل إننا واحدان .. عليك ان تدرك هذا .. وان التصقنا فلن نكون إلا واحدين.. إنني امرأة مسكونة بالضجيج .. وأنت تبحث عن قبر لقلبك ..
    ـ فليكن قلبك قبري ؟

    ـ عليك ارتياد السهول يا صديقي .. تزود باخضرارها .. ارتع من المويجات المنكسرة .. إنها الحياة .. وما أنا إلا خرافة ترتق ليل الساحل لتذوي في النهار.. الضجيج أذابني ..
    ـ ما الذي يعنيه اخضرار السهول للسجين ؟ عيناك تُرياني سجني فيك.. انك استبحتني.. وقد ارتضيتُ احتلالك ..
    ـ أراك صادقا كالبحر .. لكن خيبة أخرى ستعلي صرح خيباتك ..
    ـ هل عليّ أن أخسر الكثير لأربحك ؟
    ـ ربما عليك أن تخسر نفسك..
    ـ وهل تراها ستذوي فيك؟

    ـ أتود الغوص في البحر؟ هاهو ذا قد ازداد صخباً ..
    تخترق قدماها مياه الساحل .. فأتبعها .. تتوغل .. فأتوغل .. تلتمع حزمة من خيوط فضية قذفها القمر متكاسلاً .. صرخت الروعة في وجهها المنتشي .. وازداد وجيف قلبي.. عصفت موجتان هادرتان بسكون الساحل الذي ران لحيظات .. هدرت الموجتان تحتنا .. رفعتنا حتى كدنا أن نلامس نجمة توشك أن تخبو.. هبطنا سريعا مضيئين كنيزك.. ملتصقين كشفتين منتشيتين.. غطسنا إلى عمق البحر الصاخب .. لبطنا كسمكتين نهمتين .. بل كسمكة ضالة..
    حين أوشك الفجر أن يشقشق كنا نتوسد مويجات الساحل ونلتحف بها..

    ربما مضى دهر أو دهور مذ دغدغت الشمس جسدي المترقرق وسط مويجات الصباح الكسلى .. لأصطدم للمرة الألـف بوحدتي .. فتشتُ عنك مدينة الطحالب هذه زقاقا زقاقا.. جدارا جدارا.. سقفا سقفا.. ماازال طعم العسل في فمي.. ورائحتك النرجس تفوح من مساماتي التي تشربت بك ذات لحظة هادرة .. لم أكن أعلم حين التقيتك إني سأدمن انتظارك.. أتراني أدمنت انتظاري فيك؟.. ألم نكن متوحدين حين ابتلعك الصباح.. بت لا أعرف هذا الجسـد الذي أدمـن الانتظار بين مويجات الساحل كل ليلة .. أتراه جسدي؟ .. أم جسدك؟ .. أتراني الغائـب أم.. أنت؟.. ربما ستبتلع موجة صاخبة هذا الجسد ذات ليلة.. إلا إني لن أكف عن انتظارك.. أعلم انك ستجيئين.. إنني هاهـنا.. الآن.. بين طيات الموجة .. تجذبني نحو عمق معتم.. لكنني أبصرك .. تجيئين… أبصرك.. تجيئين.. أبصر.. تجيئين.. أبصـ .. تجيئين.. أـ.. تجيئين.. أ .. تجيئين.. تجيئي.. تجيء.. تجي.. تجـ.. تـ..
     
  2. اليمان

    اليمان عضو جديد

  3. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    مشكور مرورك الجميل اختنا اليمان
     
  4. mohamedali

    mohamedali مشرف عام

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية
     
  5. Haitham sadoon

    Haitham sadoon مشرف

    مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الوهاب
     

شارك هذه الصفحة