شرف الاسم

أحمد عبد الحسين
هل الثقافة مهنة نتحلل من أعبائها لحظة دخولنا البيت؟ هل يشبه المثقف تاجراً يريد لسكنه أن يكون ملاذاً يقيه من الحسابات المضنية ومداولات وسجالات نهار مضنٍ؟


كلّ ذي مهنةٍ يحتاج إلى بيت للنسيان، نسيان مهنته وشؤونها إلا المثقف، وظيفته عين حياته، ونطاق اشتغاله يستوعب معيشته بالكامل بحيث لا يبدو مطرح خارجاً عن سلطة خفقة الوعي المسماة ثقافة.
مشهد كاريكاتيريّ أن يحمل العسكريّ مثلاً انضباطه وصرامته إلى بيته، أو أن يظلّ التاجرُ أمام زوجته وأطفاله على لباقته التي يصطاد بها زبائنه في المتجر، ففي ذهن كلّ منا، حتى دون أن نشعر، أن البيت هو المكان الحقيقيّ الوحيد، هو وحده من يستحقّ أن يسمى مكاناً، وسائر الأمكنة الأخرى مطارح لعبٍ ولهو، العالم كله طارئ بالقياس إلى البيت، ربما الأمر شبيه بما يفعله طفل في نهاره الذي يقضيه على ساحل بحر يبني بيتاً رملياً، وقتها يبدو جاداً مستعداً للقتال دفاعاً عن بيته، ولا ينتهي لعبه الجادّ إلا مع غروب الشمس حين يروم العودة إلى بيت أمه، يقوم هو نفسه بتهديم ما بنى عن طيب خاطر متوجهاً إلى وكره المكين، إلى زمن ومكان حقيقيين.
لا يتصرف أحد ما كمثقف إلا وهو يجهد نفسه في استحضار أنماط تفكير وسلوك ملؤها الرقيّ والتحضر، والثقافة دائرة يكون فيها بديهياً توقّع ممارسة أنفس مقتنيات الإنسانية من أخلاق: الإصغاء للآخر بعمق، تقبّل المخالف، الاستعداد لتغيير قناعات شخصية، تقديس اللاعنف كعقيدة راسخة، محبة الجمال والاقتراب ما أمكن من البراءة.
شخص ما تكون مهنته حمل هذه المقتنيات النفيسة سيكون مضحكاً لو ساوى نفسه بالتاجر أو العسكريّ وأراد من بيته أن يكون مكاناً لنسيان هذه المهنة الشاقة، لأن كنوزاً أخلاقية كهذه تجعل البيت أكثر إشراقاً، وليست الثقافة في آخر الأمر إلا فنّ العيش بامتياز.
البيت للمثقف اختبار لإمكانية أن تتحوّل ثقافته من كومة ألفاظٍ إلى حياة، وعند مغيب الشموس نعود إلى بيوتنا ومعنا كلّ ما بنيناه في نهارنا، معنا زادنا كفافنا: شرف الاسم الذي يضيء البيت.

 

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

 

مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الوهاب

 

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

 

مشكور مرورك الجميل اخي العزيز