هيكل عظمي مهشَّم قد يعيد كتابة قصة البشر

جويل اكنباخ

عاشت اردي منذ 4.4 مليون سنة في اراضي الغابات الواقعة في شرق افريقيا، وقضت اغلب فترات حياتها على الاشجار. يبلغ طولها اربعة اقدام ووزنها مايقارب خمسين كيلوغراماً،


ولديها ذراعان طويلتان ورجلان قصيرتان، وهناك اصبع مسّاك كبير في قدمها كان مناسبا تماما لعملية التسلق من فرع شجرة الى فرع اخر. تناولت اردي طعامها وربت ابناءها ونامت في الاشجار، حيث قضّت اغلب اوقاتها.
ولكن في بعض الاوقات كانت تنزل الى الارض، وتقف منتصبة حيث كانت لديها قابلية المشي على رجليها. الى حد ما، كانت تمثل الخطوات الاولى لرحلة سوف تغيّر وجه العالم.
ان الاسم "اردي" هو عبارة عن كناية سمّي بها الهيكل العظمي المهشم الذي اكتشفه فريق من العلماء بجهد كبير من خلال تنقيباتهم في الصحراء الاثيوبية، واستغرقت التحليلات الخاصة به لمدة 15 عاما، واعلن عنها مؤخرا كونها تقدماً مفاجئاً وخارقاً في دراسة الاصول البشرية. لقد عاشت اردي في فترة اقدم بمليون عام من نظيرتها "لوسي"، والتي احتفل بها كثيرا كونها متحجراً عمره 3.2 مليون سنة من عهد اسلاف الانسان القدماء والمكتشفة في منطقة تبعد 45 ميلا فقط عن منطقة اردي.
واذا ما كان العلماء على صواب، فان اردي ونوعها ستمثل لنا اسلاف اجدادنا. كانت اردي صورة انتقالية، تقريبا مخلوق هجين، حيث كانت عبارة عن مخلوق يعيش على الاشجار يستطيع حمل الطعام بيديه في نفس الوقت الذي استكشف فيه ارض الغابات مشيا على رجليه.
ان بقايا الهيكل العظمي لاردي كانت قد استخلصت مع العظام المكتشفة من ما لا يقل عن 35 عضواً آخر من النوع الذي يطلق عليه العلماء "ارديبيثيكوس راميدوس". ان تحقيق العلماء الشاق هذا قد حث على حصول تذمر بين اوساط المجتمع العلمي الذي تنامت فيه حالة التوق الى معرفة دقيقة لماهية الشيء الذي تم العثور عليه في الوحل الملحي في اثيوبيا. وكانت الاجابات مثيرة جدا، ونشرت تفاصيلها بـ11 صفحة مؤخرا على موقع مجلة العلوم على الانترنت، وتمت مناقشتها من خلال مؤتمر صحفي ثنائي اقيم في ان واحد في واشنطن واديس ابابا.
"ان اكتشاف الهيكل العظمي للمخلوق اردي يعطي تاكيدا اضافيا على ان اثيوبيا هي مهد الجنس البشري"، كما يقول يوهانيس هايل سيلاسي، المتخصص بعلم العصور السالفة والذي كان قد اكتشف اول عظمتين لاردي في عام 1994.
ان مصدر اصول البشر ما هي الاعبارة عن مجال بحثي يعمل برهانات عالية وعظام صغيرة، وان النتائج المحكمة الواسعة للبحث الجديد على الارجح سوف تفجر الخلافات حول معاني الرسالة التي تضمنتها اجزاء المتحجرات الرقيقة جدا بحيث توجب التقاطها بواسطة الحفريات التنقيبية باستخدام ادوات دقيقة لاطباء الاسنان وريش بعض الحيوانات الصغيرة. يقول تيم وايت، من جامعة كاليفورنيا والمتخصص بعلم العصور السالفة وعلاقته بتطور المجتمع الانساني والذي قاد فريق البحث الخاص باردي:" ان المسالة تشبه كونها نوعا من غلاف زمني منذ 4.4 مليون عام احتفظ فيه بمحتويات لم يرها اي احد من قبل. لقد عملنا لسنين من اجل فتح ذلك الغلاف الزمني من خلال تجميع كل قطعة صغيرة من الادلة التي تمكنا من اكتشافها.
فروع عدة
ان العلماء الذين اكتشفوا المخلوق اردي لا يزعمون ان اردي بالضرورة قد تطوّرت ونشأ منها المخلوق لوسي، فمن الممكن ان يكون الخط الانساني لاصل البشر قد تعرض للانشقاق الى فروع عدة، ووصلت بعدها عدة انواع بشرية الى نهايات ميتة لجيناتها. ان خط اصل البشر من نوع لوسي ربما انحرف عن خط اردي بوقت طويل قبل الفترة التي عاشت فيها اردي. وحتى لو صح هذا الكلام، فان وايت يعتقد بان فريقه قد وثق التسلسل النشوئي بحيث يظهر، من مستوى الجنس، من اين اتى البشر، فكان بالبداية نوع اسمه ارديثيكوس ثم نوع اوسترالوبيثيكوس ومن ثم نوع هومو.
ان لوسي، وهي عضو من نوع اوسترالوبيثيكوس افارينسيس، كانت من اصل البشر ذات الدماغ الصغير الحجم وكانت قد تكيفت لعيش حياة تستخدم فيها القدمان ووسعت موطنها الى ما هو ابعد من الغابة الى الاراضي المعشوشبة الاستوائية في افريقيا والمعروفة باراضي السافانا. وعلى العكس من اردي، فان لوسي لم يكن لديها اصبع مسّاك كبير، وكان لدى اردي ولوسي اسنان مختلفة، مع اضراس اكبر للوسي متكيفة اكثر لنظام غذائي اكثر اتساعا توفره الاراضي المعشوشبة الاستوائية.
يقول اوين لوفيجوي المتخصص بعلم تطور الانسان من جامعة ولاية كينت والذي كان احد اعضاء فريق البحث الخاص باردي:" تعطينا اردي معلومات مرتين اكثر مما تفعله لوسي، فنحن نجد ان لديها يدين ورجلين، وبيئة اكثر تكاملا، وهيكلاً عظميا اكثر تكاملا، وهي اكبر عمرا واكثر بدائية. توضح لنا اردي عملية الانتقال من الاسلاف العاديين الى نوع البشر المعروف بالهومينيد
العلامات الاولى
اكتشف وايت وزملاؤه العلامات الاولى للنوع الجديد مما هو معروف بكونه موقعاً في صحراء لا اشجار فيها والتي كانت قبل 4 ملايين سنة اكثر رطوبة تعج بالطيور المختلفة والزواحف والحيوانات الرئيسة ومغطاة بكثافة باشجار التين والنخيل. في الخامس من تشرين الثاني 1994، حيث كان هايل سيلاسي في حينها يتهيا للتخرج من جامعة بيركلي والان هو القيّم على متحف كليفلاند للتاريخ الطبيعي، اكتشف عظمتي اصابع. واكتشفت الحفريات الاضافية بقايا لتجويف الحوض والقدم واليد ورقائق لجمجمة. ومع اكتمال ثلاث سنوات من اعمال الحفر، فقد ادرك العلماء بانهم قد وجدوا كنزا يخص علم الطبيعيات القديمة الا وهي اجزاء من هيكل عظمي عمل الزمن على تهشيمه واتلافه، وكان هذا الهيكل العظمي هو اردي.
لم يقدم وايت وزملاؤه الباحثون اول تحليل شامل عن النوع البشري الجديد بعد اكثر من عقد ونصف من العمل المضني في الميدان والمختبرات الا في الايام الاخيرة، وقد تم التحفظ على المتحجرات الاصلية في احد المتاحف في اثيوبيا. يقول لوفيجوي:" انها عبارة عن مفاجات من الكنوز ذات النوع النفيس.
ان اصل الانواع البشرية المتاتية عن طريق مراحل التطوّر من الاسلاف الاوائل هو امر لا جدال فيه من الناحية العلمية، وان العمل الميداني طوال القرن الماضي اوضح بان الخط البشري قد نشأ بداية في افريقيا، وان المتحجرات التي تم العثور عليها قد تم تدعيمها من خلال التحليلات المختبرية للشفرات الوراثية للبشر وللشمبانزي واصول لاسلاف اخرى. ومع هذا، فان التفاصيل الدقيقة الخاصة باصول البشر تصبح اكثر غموضا واكثر عرضة للتفسير والجدال مع ذهاب الباحثين للبحث بعمق اكثر بالزمن الاقدم ومع كون المتحجرات تصبح اكثر ندرة.
يتواصل العلماء بالبحث عن "السلف الاخير المألوف"، ويطلقون عليه مختصرا يسموه lca، وهو عبارة عن مخلوق يمكن من خلاله تعقب اثر كل من الانسان الحديث والشمبانزي من ناحية السلف. ويعتقد العديد من العلماء ان السلف المالوف قد عاش منذ ما يقارب سبعة ملايين سنة على الاقل. ويعطي البحث الجديد حول اردي ايحاء بان هذا السلف لا يشبه كثيرا الشمبانزي الحديث كما كان يظن سابقا، وبدلا من ذلك، فان السلف يبدو اكثر شبها باردي، وهذا يعطي ايحاءً بان قردة الشمبانزي قد عملت على تطوير انفسها بصورة مميزة، وبضمنها تطوير المهارات التي تمكنهم من التعلق على الاشجار والمشي على مفاصل الاصابع.
منظومات اجتماعية مختلفة
يقول لوفيجوي:" السلف المالوف يبدو شبيها باردي، ولقد طوّرت الغوريللا والشمبانزي انفسها بصورة هائلة، وليس نوع هومينيد البشري. ان نوع الهومينيد البشري قد تركزت مراحل تطوّره على امرين وهما المشي منتصبا والدماغ، اما الاشياء الاخرى فكلها بدائية الى حد ما.
في نوع اردي، فان الذكور ليسوا مختلفين بصورة مميزة عن الاناث من ناحية الحجم، ويفتقد الذكور ايضا الاسنان ذات الشكل المشابه للخنجر والتي يستخدمها ذكور الشمبانزي في العراك الضاري الذي يجري بينهم كمدخل لعملية تخصيب الاناث. ويجادل لوفيجوي حول ان هذه الحالة تعتبر كعلامة لمنظومات اجتماعية مختلفة، حيث ان الذكور مرتبطون بعلاقة ثنائية مع الاناث، ويرى لوفيجوي ان التطويق الابوي الذكري في بقاء الذرية يمثل علامة دامغة على النسب البشري.
ولاحظ ديفد بيلبيم، المتخصص في علم الطبيعيات القديمة، بوجود بعض من نفاذ الصبر لدى الاوساط العلمية مع تواكب وايت وزملائه بمواصلة تحليلاتهم للنوع الجديد، ولكنه اشار الى ان نتيجة الانتظار كانت تستحق العناء:" انه انجاز غير عادي من نواحي الاكتشاف والاستعادة واعادة الهيكلية والوصف والتحليلات، وسيجعل العديد من علماء اخرين منشغلين لمدة خمسة عشر عاما اخرى على الاقل.
لم تبد اردي مثل البشر مهما حاول ان يصوّر ذلك، ولا توجد وسيلة لدراسة عقلها ولا لقياس الاحساس بالنفس ولا لقياس ادراكها لموقعها في العالم. ولكن اذا كان العلماء على صواب، فان خط سيرها في الحياة تم اثبات منفعته على طوال الوقت، وان كوكب الارض قد شهد نهضة حيوان جديد من الممكن ان يجري بواسطة رجلين، ويبتدع الادوات ويحوز النار لمصلحته وربما اخيرا، مع الكثير من الحفريات والاجزاء الصغيرة، يتمكن من حل شفرة اصول نشأته.

 

شـكـــــرا لك وبارك الله فيك

 

مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الوهاب

 

شكرا اخي هيثم الموشوع جميل ويبين اساس الانسان والبشريه

 

مشكور مرورك الجميل اخي العزيز

 

شكرا

 

مشكور مرورك الجميل استاذة اليمان

 

شكرا على الموضوع

 

مشكور مرورك الجميل اخي العزيز