أنين

محسن ناصر الكناني

يدخل المدينة على ظهر سيارة بيك آب، مكفهر الوجه، ضيق العينين متعالياً.. المارة لا يعبأون من منظر بعير على ظهر سيارة، لكن الذي كشف عن تعالي البعير، واكفهراره وضيق عينيه، هو الصبي الذي يمشي مع المارة..


أثاره المنظر، فتسمر في مكانه، يحدق بعيني البعير الجامدتين الضيقتين، تحيطهما اّثار غبار الصحراء، كان البعير، ينظر الى المدينة بترفع غريب، رقبة طويلة شاهقة، ورأس مترب، واكفهرار وجه، كأن المدينة قد أفقدته، أفقه، وسرابه وغباره! امش قالها الأب ' إذ شعر ان صبيه قد تخلف عنه - البعير على ظهر السيارة ! قالها الصبي ' منبهرا ً ' منتظرا ً جواب أبيه الذي سكت ولم يجب ثم لمح الصبي رجالا ً غلاظا ً ' متأهبين مشمرين عن سواعدهم ' متزرين ' يلفون رؤوسهم بكوفيات بيض ويحدقون بعيون حمر كعيون البغال!
الصبي يسترق النظر إليهم ' فأراد ان يسأل ' لكن أباه صده ' واقتاده غير مكترث ' فظلت صورة الرجال الصلفين الغلاظ منطبعة في ذاكرته ولم يكن يعرف الى أي مكان يقتاد الرجال البعير!
قبل أن ينتصف الليل ' كان الصبي قد عاود السؤال عن البعير والرجال الغلاظ ' لكن الأب تجاهل صبيه خوفا ً عليه فتركه ينام!
على سرير النوم ' كان الاب ينصت الى أصوات منتصف الليل تأتيه أشبه بالانين او الانين المكتوم ' فحشرجة ثم الى انين مكتوم ' او متقطع ' بعد حين تصل الى مسمعه حشرجة ألم ' كأن يدا ً ' تطبق فتجس أنفاس رقبة ' فتقاوم الرقبة بضراوة محاولة فك القبضة ' يفتح الاب الشباك ' عل ريح الشمال تأتيه ' او يشم عطر الزهور ' أو يسمع تغريد بلبل هزار لكن اسقط في يده هذه الليلة ' فلقد غاب القمر ' والشباك لا يأتي بعطر الزهور ' والهزار مختف في الاجمة.
لا شيء سوى أنين خافت ' أوحشرجة ألم تأتي من بعيد أطار الارق النوم من رأس الرجل ' فقرر ان يأخذ قرص إسبرين ' عله ينام ' فتعاودت الاصوات البعيدة ' أشبه بالانين المكتوم ' وتحولت الى حشرجة ' ثم الى أنين مكتوم ' متقطع ' فحشرجة ألم حادة ' كأن يدا ً تطبق فتجس أنفاس رقبة ' فتقاوم الرقبة بضراوة محاولة فك القبضة.
تخنق الرقبة 'ويتصاعد الالم ' فأصوات متقطعة ' متحشرجة تشق سكون الليل أشبه برغاء بعير يذبح او شخيب رقبة تنزف ثم يتلاشى الصوت.
ينزل الاب من سريره على عجل' ويفتح شباكا ً لريح الشمال لا ريح 'لاهزار' زهور يفاجأ الاب ان كائنا ً يتعلق في الظلام بأطراف ثيابه ' ويتسلق جسده قابضا ً على رقبته بأحكام
كان الكائن هو صبيه الخائف المرتعد : - بابا - أخاف أخاف

 

بارك الله فيك

 

جزاك الله خيرا

 

مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الوهاب

 

مشكور مرورك الجميل استاذة اليمان