استذكار الصداقات القديمة

ريموند تاليس

الوحدة ليست تعيسة فقط بل أنها سيئة على جسمك وعقلك ويمكن أن تصيبك عدواها مع مرور الوقت أنصحك بالاعتناء بصداقاتك القديمة،أي شخص يعتني بطفل صغير، سيخضع لثرثرة غير منظمة مع رفيق مهذار، كما سيمطرك طفلك بوابل من الطلبات المتواصلة،
قد تبتهج بتلك الخلوة المتواصلة معه. أما لو كنت لوحدك، فستغلق باب بيتك عليك وتستمتع بالصمت وتبتسم لهذا الوجود الهادئ على مدى ساعات وساعات. لكن هناك أوقاتا ستشعر فيها أن العزلة قد أخذت مأخذها فيك وإذا توغلت فيها أكثر فأكثر ستشعر أنها حالة متعفّنة، كما أن هناك الإدراك، الذي ميزه جي. فاريل كالاسترخاء " بين فتح الباب ونزع معطفك"، لتجد نفسك وحيدا، تصدق أن كثيرين في هذا العالم يشعرون بالأسى على رقم واحد.
هناك مناسبات عديدة تمر فينا وتتطلب منا تمضية أوقات سعيدة ومرحة، هذه المناسبات تبدو توبيخا قائما ضد الحزن وعدم المرح.
المطلّقون، المجافون، المفجعون بفقدان عزيز لهم، المرفوضون اجتماعيا من قبل فئات معينة، المسنون (الذين نصف مليونا منهم يمضي أعياده وحيدا)، سيجدون أن استراق السمع أَو تخيّل ضحكة أو رؤية سعادة الآخرين هو شيء محزن واليم وقابض للصدر بشكل لا يطاق. مضت على الوحيدين في هذا العالم الكثير من الأعياد والمناسبات، تتذكر عندما كنا أطفالا صغارا، عندما لم نفقد بعد أمنا أو أبينا وعندما كان يطرق باب بيتنا الصديق تلو الآخر، وبعدها عندما غدونا مراهقين نحلم بالانتشاء السعيد، ونستغرق بمعان ومدلولات الأعياد والمناسبات، كنا من القوة بحيث يمكننا أن نبتهج بكل ما أوتينا من زخم ونشاط، مرور هذه المناسبات على الوحيدين تبدو الآن كالفردوس المفقود لهم. لا عجب انك ستتمتم " ياللعنة! "وتهون على نفسك اذا كنت وحيدا بان الأعياد التقليدية هي التزام تنظيمي ومشعل للاستهلاك الإلزامي ويترك لدى المرء صداعا من الآثار المتخلفة لديون الصرفيات. كما أن هناك أناساً كبلتهم الوحدة كثيرا بحيث باتوا يتفادون بعضهم البعض لمدة طويلة، وعبثا تحاول تفادي وحدتك بمراقبة البرامج والمسلسلات التلفازية والإنصات للراديو. حتى، تناول الحلويات والشكولاته سيولدان السأم بعد برهة من الزمن وسيسمحان للإستياءات والضجر النفسي بالطفو على السطح لتندلع من جديد.
تهكمك الرفضي سوف لا يعمل على الدوام، فالوجود المطلق لمظهر الفرح الخارجي لدى الآخرين سيجعل الأمر صعباً لتجنب إحساس حشر نفسك في أمور قد لا تعنيك أساسا.
إضافة لذلك، فأن الصحف مليئة بالمواضيع التي لا تخبرك فقط عن إعداد الوحيدين وكيف أن التشظي الاجتماعي قد أدى شيئا فشيئا خلال العقود القليلة الماضية لخلق مجتمعات تغص بالوحيدين أَو ممن يشعرون بأنهم وحيدون تماما، لكن المخيف أيضاً، هو أن وحدتك ممكن أن تكون معدية لغيرك.
دراسة حديثة قام بها جون كيشيابو، عالم مختص بعلم الأعصاب الإدراكي والاجتماعي، وجد أن أصدقاء الناس الوحيدين سيحصل لديهم على الأرجح تطوير مشاعر سلبي للرفض الاجتماعي وسيصبحون وحيدين تباعاً.
استذكار الصداقات
وهناك العشرات من المقالات المنشورة في مجلات علمية ذات مستوى عال، تخبرك بشغف في الصحافة الموجهة لعامة الناس، وتبين لك كيف أن قلة النشاط الاجتماعي سيعًجل من مستوى الهبوط الإدراكي وكيف أن الناس الوحيدين مثلك هم أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكر والسرطان. والأكثر من ذلك، ستكون على الأرجح عرضة للمعاناة من الأرق المستمر، بحيث تبقى مستيقظا طوال اللّيل قلقا من نتائج وجودك وحيدا.
الوحدة ليست فقط تعيسة وبائسة، لكنها تبدو خطرة كذلك والصداقة يقينا مفيدة لك. يرى علماء الأعصاب أن التحديات المعقّدة نتيجة الاختلاط والاندماج بالآخرين تحفز الدماغ، كما يعتقد الأطباء بأن الصداقة مقوّية للجسم، وكلّنا يدرك ذلك، على أقل تقدير فهي يمكن أَن تكون علاجا طبيعيا للنفس.
لذا يجب أن تكون أوقات المناسبات والأعياد هي أحسن الأوقات لتذكر الصداقات القديمة ونتساءل كيف يمكننا تكوين صداقات أخرى جديدة بدلا عنها؛ أو الصداقات الاختيارية التي نقوم بها من التعارف وصداقات نبحث ونفتش عنها أساسها علاقاتنا مع أقربائنا.
ولا يتوجب علينا أن نكون من ذوي الأفكار الفعّالة بشأن الصداقة؛ بالنتيجة سيكون ذلك مفهوم حذر جدا لحياة جَلبتنا لحالة الوحدة وجعلتها رقم واحد في فلكنا.
الصداقات الأصيلة، كما تحدث عنها أرسطو، تستند على الطيبة أكثر من استنادها على النفع. وهو يرغب، أَنا متأكد، أن عنده وجهة نظر معتمة لتلك الأنماط الأحدث للصداقة التي تبدو جزئياً أنها أزاحت القديمة، خذ مثلا الصداقات الإلكترونية التي نكونها عبر شبكة الانترنت والتي نعتقد واهمين أننا بنينا صداقات، حتى لو كنا منغلقين ووحيدين في مجتمعنا الحقيقي وغير محبوبين، مع هذا ستجدنا نقدر هذه الصداقات ونقدر قيمنا الحقيقية رغم بعد المسافات.
صداقات خيالية
تضاعف الناس الذين نتفاعل معهم من خلال مختلف أجهزة الإعلام الإلكترونية - كالصداقات الخيالية التي يعملها البعض مع النجوم الذين يعجبون بهم، فهم يتصورون أن هذا النجم أو ذاك يرد عليهم بينما من يرد عليهم في حقيقة الأمر هو سكرتيره الخاص، الاتصالات التي يسعى البعض لرعايتها وتعزيزها عبر مواقع Twitterأو الـFacebook او في غرف الدردشة - قد تضللنا وتخدعنا بالتفكير على أننا منهمكون أكثر في حياة الآخرين وأن الآخرين منهمكون أكثر فينا. غير أن الأصدقاء الذين تتعرف عليهم عبر شبكة الانترنت هم بعيدون مع الأسف عن الفوضى الحقيقية للعالم الحقيقي الذي نحياه والذي تتشكل من رحمه الصداقات الحقيقة وتختبر وتعمق.
أصدقاء الانترنت هم ببساطة جزء من الوهن الالكتروني في حياتنا. حيث تتضمن الصداقات الحقيقية تواجد الأصدقاء وتآزرهم مع بعضهم البعض في أوقات الشدة والضيق، فضلا عن التزامات مفتوحة غير مقيدة تكاد تكون غريبة في مجتمع يستند في علاقاته على المصالح والتعاقدات. الصداقات الحقيقية التي تجمع الناس مع بعضهم هي أوقات لاكتشاف ضائله صداقات الانترنت.
على أية حال، فأن تكون لوحدك في أوقات الأعياد والمناسبات من كل عام سيضع هذه الأسئلة التي تنتابنا حول مدى كوننا مع بعض حقاً سوية، كما تصور ذلك إليوت في قصيدة "The Waste Land"، "حيث يحكم كل شخص الإغلاق على نفسه في سجنه الخاص". هذا الوقت، متى ما تبدو حتى الخلوة المعدلة نقمة بدلاً عن أن تكون نعمة، فسيثير ذلك عدة أسئلة حول التواصل مع الآخرين أو الافتراق عنهم. يذكرنا ذلك، ربما، بأن المعنى والغرض من الحياة يكمنان في أن تكون مع الناس ليس لغرض معين لكن فقط من أجل بهجة المصاحبة والرفقة والرضا والإشباع الأخلاقي لدعم أصول الرعاية المتبادلة. فتح الأبواب أمام الصداقات ومنها القديمة ليس بالموضوع السيء أبدا، لا بل قد يشكل حتى قاعدة لاتخاذ قرار مع بداية السنة الجديدة.

 

:clap::clap::clap::clap:

 

مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الوهاب

 

مشكور استاذ هيثم سعدون

 

مشكور مرورك الجميل استاذ محمد عبد الله

 

شكراً لك أخي

 

مشكور مرورك الجميل اخي العزيز

 

بارك الله فيك
ونتظرجديدك

 

مشكور مرورك الجميل اخي العزيز